عام

هرشة السنة السابعة

قصة قصيرة

تأليف الروائي محمد جمال كشحت

عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر فرع الإسكندرية

 قال :

الآن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، يظهر إني غلطت في الجوازة دي، يعني من بين كل البنات لا يأتي بختي إلا مع البنت دي، البنات كانوا قدامي كتير وزي الورد.
أنا حظي دايماً كده من بين كل الفواكه لا يأتي نصيبي إلا مع الليمونة التافهة..

قبل الزواج وطوال فترة الخطوبة لم يكن يشغل عقلها إلا أحلام الرومانسية التي لا صلة لها بالواقع..

وأهلها – أبوها وأمها – نعم كانوا طيبين معايا ولكنها الطيبة الممزوجة باللؤم .. في أول يوم قالوا لي “احنا بنشتري راجل” وكان كلامهم ناعم وظريف ثم بدأوا يطلبون ويطلبون بأشياء يعجز أي شاب عن تلبيتها.. وبكل لؤم جرى الزواج كما خططوا له تماماً وقدموا لي القايمة ووقعتها.

وبدأت حياتي معاها ومع الزمن هدأت أحاسيس النشوة وظهرت الحقيقة بدون تجميل أو رتوش لتصدمني بشخصيتها الحقيقية وعيوبها التي كانت خافية عني..

لقد مرت سنوات ومازالت على عقلها الطفولي الساذج تريد الرومانسية والعواطف أن تظل بيننا ولا تدرك أن مصاعب العمل ومشاكله هي سيدة الموقف ولا تسمح لتلك الرومانسية التي تتمسك بها إلا بدقائق معدودة..

بينما هي على إصرارها تنتظر مني ما اعتادت عليه في أول شهور الزواج من كلمات حب دافئة، وهذا لا يكون إلا في الأحلام، ففي الحلم يرى الإنسان الأشياء كما يشتهي، وهي مازالت تحلم رغم أنها أصبحت زوجة وأم ولكنها تريد أن تلون حياتها بالأحلام كما تلون وجهها كل ليلة بينما الحقيقة من الصعب تجميلها..

نعم مازال وجهها جميل رغم تصرفاتها المبتذلة، وشعرها مازال على نعومته ولكنه أصبح أشعث كل شعرة منه تسير في اتجاه على هواها، نعم مازالت شفتيها دقيقة وجذابة رغم الكلمات السوقية التي تخرج من فمها، نعم مازالت تحافظ على رشاقتها ولكن ملابسها يتصاعد منها رائحة الطبيخ  لا.. لا..  إنها ليست الفتاة التي أحببتها وسرت ورائها أتتبع خطواتها، لقد تحولت.. يكفيني عصبيتها والدلع اللي اعتادت عليه في بيت أمها.

حتى الأولاد إنها تقوم بتربيتهم حسب ثقافتها والبيئة القادمة منها، ولا تحسن معاملة أهلي، وتخفي فشلها اليومي بالجدل والشجار وتثير حولي الزوابع والنكد ولا تدرك أن كلمة خاطئة تصدر منها قد تمثل القشة التي تقصم ظهر البعير وتجعلني أقدم على ما تظن أنه مستحيل فأهدم في لحظة ما قمت ببنائه في سنوات.. وهذا بيني وبينكم ما تشتهيه نفسي أحياناً أن أعود حراً طليقاً بؤرة اهتمام كل البنات..

أعرف أن لكل إنسان طباعه التي لا يستطيع أن يتخلى عنها وعاداته حسب البيئة اللي نشأ فيها، ولكن يفترض أنها إنسانة مثقفة، لا يجب أن تقوم بتقليد ما يفعله أبوها وأمها وبعض أهلها من مشاجرات..

للأسف رغم حبي لها أشعر أني وقعت ضحية زواج فاشل، وأني لم أتزوج الفتاة المناسبة وهن أمامي حتى الآن يتراقصن وأنا بينهم أزهوا كالطاووس..

تظنين أنك قد تنازلت لأنك رفضتي العرسان الذين تقدموا إليكي وبقيت على عهدك معي حتى تم الزواج وتظنين أن زواجنا قائم للأبد وتركتي المشكلات الصغيرة تتفاعل تحت السطح مثل النار تنتظر بعض الوقود يلقي عليها أو هبة هواء تثيرها لكي تلتهب.

قد أصبر رغبة في إصلاحك والأخذ بيدك، ولكني لا أضمن نجاحي فأضطر في النهاية إلى التخلص منك مهما كلفني الأمر..

قد أكون فتى تربى في أسرة جافة العواطف متبلدة الأحاسيس فنشأت غير قادر على التعبير عن عواطفي وأحاسيسي، وأعرف أن أكبر ما يهدد الحياة الزوجية هو المشاعر السلبية التي تجتمع قطرة قطرة إلى أن تغرق المركب.

لذلك فإني كثيراً ما أصبر ولكن إحذري فإن كلمة خاطئة من ورائها كلمة خاطئة منك، وإشارة بعد إشارة تصير في النهاية رصيداً كبيراً متراكباً.

وصبرت على تصرفات أهلك وتدخلاتهم في حياتنا وسواء انضممت إلى جانبي في الصراع أو انضممت إلى عائلتك فإن الخلاف قد وقع، وهذا الخلاف ينزع القشرة التي تحفظ البيضة من الفساد.

كنت أتوقع منك بعض النضج في احتواء الأزمة، إلا أن الخلافات العائلية انعكست علينا وسممت حياتنا وجعلت زواجنا في مهب الريح، لكنك لم تستوعبي الأمر، كل ما سمعته منك كان صراخاً ارتفعت حدته إلى تراشق بكلمات جارحة وبكاء لا يهدأ فأرغمتني أن أسكته بصفعة من يدي، فإذا بك تنطقين بكلمة أكرهها ويكرهها كل الرجال كلمة “طلقني”.

كيف تجرأتي ونطقتي بها !! لقد كانت هذه الكلمة كفيلة بأن أخرج من حياتك وأغلق الباب من ورائي.

إن قرار الانفصال لا يأتي فجأة من دون مقدمات، ولكنه حصاد أيام وأعوام من الحياة الزوجية غير الموفقة..

يمكن أن أكون بأتلكك.. ولكنك أسرعتي وأثرتي ما يتعامل في صدري من هرشة تأتي كل الرجال عندما يكملون السنة السابعة زواج، إنها لحظة فيها قدر كبير من سوء التقدير، والتعجل في اتخاذ القرار، والمبالغة في الانفعال ، وبعض من الجنون الوقتي، والأنانية وعدم النظر في العواقب.

وهذا يعني أحد أمرين، كلاهما شر من الآخر إما الخيانة وهي انفصال معنوي داخل البيت، أو الطلاق. ولأني بطبعي لا أحب الخيانة لذلك فإني أفضل الطلاق.

أنا لا أعطي موضوع هرشة السنة السابعة حجماً أكبر من حجمها ولكنها حقيقة يجب أن تتعايشي وتتعايش معها كل زوجة..

إن سبع سنوات ليست حدا فاصلاً لهذه الهرشة التي تهرش كل زوج بل قد تكون أقل من ذلك أو أكثر.. فقد تكون عشراً، أو ستاً، أو حتى خمساً·· ولكن كل رجل يتعرض لهرشة في وقت من الأوقات، ولا أظن أنه يوجد رجلاً لم يفكر يوماً في الطلاق.. كده بدون رتوش ولا تبرير.

وأكثر من ذلك أقول لكي: إنها ليست هرشة واحدة بل قد تكون هرشات تتكرر كل خمس أو سبع سنوات أو أدنى من ذلك أو أكثر..

لن أقول كما يقول كل زوج ليبرر فعلته.. إنه لا جديد في حياتي، وأني زهقت من هذا الروتين الممل، يلتقى كل منا بالآخر بنفس الوجه ونفس الكلمات وربما بنفس الملابس، بين جدران أربع، وأثاث لا يتغير ولا يتحرك من مكانه، حتى حفظ كل منا الآخر، وعرف ردود أفعاله، وتوقع الكلمات التي سيرد بها على ما سيقول..

نعم إن الملل والرتابة أعداء الحياة الزوجية وهو الذي يأتي بالخلافات وبالفشل، وهو الذي جعلني أهرب من البيت وجعلك تعيشين الحزن والكآبة على الرغم من كل أسباب الرفاهية وما لديكي من أدوات التجميل والملابس والمفروشات والأجهزة.. إلا أن الفشل يتربص بالحياة الزوجية ..

أنا لا أبرر ما أقدمت عليه واستجبت لطلبك الطلاق بسرعة، ولكني أرى أنه كان من الضروري أن ينشأ بيننا حوار يعبر فيه كل طرف عن رأيه في الطرف الآخر، وفي العلاقة الزوجية التي تجمعنا وما فيها من إيجابيات وسلبيات، وكيفية الإصلاح، وأن يتسم الحوار بالصراحة والصدق والرغبة في تجاوز الأزمة لا رغبة في انتصار طرف على طرف.

كان من المهم أن نتفق على تجديد حياتنا، وإدخال أسلوب جديد من التعامل بيننا نتفق فيه أن يكون كل منا رفيقاً بصاحبه، مهذباً في ألفاظه، يعامله برقة، ويستخدم الكلمات التي يفضلها، ويشعره دائما بحبه وحنانه ودفء عواطفه، ولا يهمل في ذلك صغيرة ولا كبيرة، فالسعادة تأتي من الأشياء الصغيرة كما تأتي من الأشياء الكبيرة، والحب يتغذى على كلمة رقيقة وإيماءة لطيفة، ولمسة حانية، وهمسة صافية.

كان من الضروري أن يفتش كل منا في نفسه عن أسباب الخلاف، فيسأل نفسه هل أنا عدواني أو مستفز أو مسيطر أو فاقد لروح التعاون والحنان والذهن المتفتح ويبدأ بإصلاح عيوبه قبل أن يتهم الآخر بالمسئولية.

كان من الضروري أن تظهري بمظهر لائق جديد في ملبسك وزينتك وتسريحة شعرك وغير ذلك من إضافات تظن بعض النساء أنها هامشية، ولكنها في الحقيقة مهمة جداً في إسعاد الرجل، كان من المهم أن تغيري أسلوب الكلام ونطق الكلمات وتنغيمها فالرجل يحب أن يكون صوت زوجته شجياً في مسمعه.
لعلي بذلك أنجو من هرشة السنة السابعة التي أثبت الواقع أنها ليست مجرد هرشة
ولكنها عضة سامة تهدم الأسر وتخرب البيوت.

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى