طارق فوزي يكتب حديث الجمعة “جبر الخواطر في الإسلام”

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى 
إن ما شدني و لفت إنتباهي ،و أهتمامي لكتابة هذه المقالة هو عنوان موضوع خطبة يوم الجمعة الماضية، و كانت تحت عنوان “جبر الخواطر في الإسلام” و التي أجد أننا في أمس الحاجة اليها في هذه الآونة.
لم يحظ مفهوم جبر الخواطر علي أهتمامات الباحثين
و الدارسين ،كما لم يأتي ذكره في نصوص القرآن الكريم و لا في السنة النبوية الشريفة الإ من خلال نماذج و صور تطبيقية لجبر الخواطر من الله تعالي علي الأنبياء ، و علي المسلمين كما سنري و يأتي ذكره لاحقا ، ففي القرأن الكريم و هو دستور الأمة الإسلامية، قد حدد الله سبحانه وتعالي الأنبياء مهمتهم الأولي هو جبر خواطر البشرية، فالدعوة الإسلامية
و القرآن الكريم و الأنبياء مهمتهم الأولي هو جبر خواطر الناس و جعل فيما بينهم المودة و الرحمة و التآخى و التكافل و التضامن الإجتماعي.
و جبر الخواطر هو خلق إسلامي عظيم الشأن ، و توجيه إلهي لأنبيائه .
و لأهميته و لعلو درجاته وصل مفهومه الي درجة العبادة من سمو و الرفعة و الشرف الرفيع و الرحمة الألهية و جبر الخواطر وهي عبادة غالبا ما يغفل العبد المؤمن بالأهتمام بها رغم أنها عبادة محببة عند الله و ربما لا تندرج تحت مسمي فرائض التي دائما ما يتجه العبد إليها و يلتزم بها كالفروض الواجبة كالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج لمن أستطاع إليه سبيلا، كما لا تعد من السنن المفروضة و الواجبة أيضا و التي دعي إليها الإسلام و حث علي القيام بها لينال فاعلها الثواب و يضاف عند أدائها في ميزان حسناته و تدخر له ليوم الدين كبر الوالدين ، و صلة الرحم ، و البر و الإحسان بالقول و الفعل ، و ربما يتناسي العبد المؤمن العمل بها و لا يضعها في مقدمة أولوياته رغم أنها عبادة عظيمة الأهمية، و لا تكلفه الكثير ، و لا تحتاج لمجهود كبير مادي أو معنوي، و رغم ذلك فإن عبادة جبر الخواطر أجرها عند الله تعالي عظيم و من حرص علي أدائها و عقد العزم و أحسن النية للقيام بها، فسينال الدرجات العليا ، و المقام الرفيع ، و القرب الي الله ، فهي عبادة لا ينتظر العبد مقابل لها و لا يذكي العبد نفسه بها أحد غير الله تعالي.
أذن جبر الخواطر هي عبادة ما أحوج الناس إليها اليوم و غدا و كل حين، فمن منا لم تكسر نفسه، ومن منا لم يفطر قلبه،
و من منا لم يمرض جسده ، ومن منا لم يفقد أحبابه و زويه ، و يفقد أغلي ما لديه ربما ماله وولده ، فتأتي عبادة جبر الخواطر و لعظم شأنها ، و سمو قدرها، و علو درجاتها أن تطيب القلوب ،
و تثلج الصدور ،
و تداوي المرضي،
و ترضي النفوس ،
و تفرج عن كل مهموم و مكروب ، و مغموم، و من عظم قيمة و شأن جبر الخواطر فمن أسماء الله الحسني أسم الله الجبار وورد ذلك في سورة الحشر آية 23 بقوله تعالي :” هو الله الذي لا إله الإ هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون،”
و من معاني أسم الله الجبار أنه جابر لكل كسير ،و المصلح لأمور خلقه يجبر كسر القلوب ، و النفوس،
و يجبر المحتاج الفقير فيغنيه، و يجبر آلام المريض فيداويه و يذهب هم المهموم و يفرج كرب المكروب و يثبت الأمل في قلب البائس الحزين فما أجمل هذه المعاني لاسيما و كانت مصدرها هو الله سبحانه وتعالى فهو الجبار الكريم الحنان المنان الرحمن الرحيم.
# و عن جبر خواطر الأنبياء في القرآن الكريم :
نجد أن الله تعالي جبر خاطر نبي الله أبراهيم عليه السلام و نجاه من النار بقوله تعالي :”قلنا يا نار كوني بردا و سلاما علي إبراهيم” سورة الأنبياء آية 69
و كذلك جبر الله تعالي بخاطر نبيه إبراهيم عندما وهب له الولد الصالح إسماعيل بعد طول سنين فقال تعالي :”رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم” سورة الصافات آية 100 -101.
ثم جبر الله تعالي خاطر نبيه أبراهيم عليه السلام مرة أخري عندما رأي في المنام بأمر الله تعالى أن يذبح أبنه و قد فدي الله تعالي أبنه من الذبح في قوله تعالي:” و فديناه بذبح عظيم” سورة الصافات آيات 103-107
كما جبر الله تعالي خاطر نبيه زكريا عليه السلام و ذلك حينما دعا الله تعالي أن يرزقه الولد الصالح فجبر الله خاطره و رزقه بنبي الله يحي فقال الله تعالي:” وهنالك دعا زكريا ربه قال هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء “سورة آل عمران آية 38-40
و من نماذج جبر الله تعالي خاطر الأنبياء عندما جبر الله خاطر قلب أم موسى عندما أمرها الله تعالي بوحي منه إليها أن تضع أبنها موسي في صندوق و تلقيه في اليم خوفا من بطش فرعون فكان حينها يقتل أبناء بني أسرائيل من الذكور بسبب حلما رآه أن مصرعه سيكون علي يد رجل من بني أسرائيل و في ذلك الوحي كان هناك وعدا من الله تعالي بأنه سيرد أبنها موسي إليها محفوفا بالعناية و الرعاية الألهية . و بعد هذا الوعد الألهي أثلج قلب أم موسي و زاد يقينها و زال كربها و خوفها علي أبنها و زاد من إيمانها و ثقة و إعتمادها علي الله وحده.
و قد جبر الله تعالي خاطر نبيه موسي عليه السلام فقال تعالي:” يا موسي أني أصطفيتك علي الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين” سورة الأعراف آية 144.
و جبر الله تعالي خاطر نبي الله موسي عليه السلام حينما طلب من الله وزيرا من أهله فأجاب الله تعالي لطلبه و جعل أخيه هارون وزيرا له ليكون دعما و تأييدا له عند المواجهة المباشرة أمام فرعون و ذلك بقوله تعالي :
” و أجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أذري و أشركه في أمري كي نسبحك كثيرا و نذكرك كثيرا أنك أنت بنا بصيرا” سورة طه الآيات من 29-36.
كما جبر الله تعالي خاطر نبي الله موسي و قومه حينما أدركه فرعون و جنوده فقال تعالي:” و أنجينا موسي و من معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين” سورة الشعراء الآيات من 61-66.
كما جبر الله تعالي خاطر نبي الله يوسف عليه السلام عندما أوحي الله تعالي الي يوسف عليه السلام و هو وحيد قابع في ظلمات و غيابات البئر ليثبت قلبه، و جبر بخاطره لأنه ظلم و أوذي بعد أن ألقوه أخوته في الجب فقال الله تعالي:” فلما ذهبوا به و أجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب و أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا
و هم لا يشعرون” سورة يوسف آية 15
و كذلك جبر الله تعالي خاطر نبي الله أيوب عليه السلام عندما كشف عنه الضر و الأذي بقوله تعالي :” و أيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فأستجبنا له فكشفنا ما به من ضر و أتيناه أهله و مثلهم معهم رحمة من عندنا و ذكري للعابدين.” سورة الأنبياء آيات من 83-84.
# نأتي الي جبر خاطر خاتم الأنبياء و الرسل سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم و النماذج كثيرة لجبر خواطر نبيه محمد صلي الله عليه وسلم نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر مايلي:
و أول ما نبدأ به من نماذج في جبر خاطر سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم و ذلك عند نزول الوحي في غار حراء عندما خشي علي نفسه فطمأنته السيدة خديجة رضي الله عنها زوجته و نزعت من قلبه الروع و الخوف و أعادت إليه ثقته و تثبيته علي الحق عندما قالت :” كلا و الله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم و تحمل الكل و تكسي المعدوم و تقر الضيف و تعيين علي نوائب الحق.”
و أيضا من نماذج جبر خاطر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في حياته عندما أحب مكة المكرمة التي ولد و نشأ فيها و أخرج منها ظلما فقد أحتاج في هذا الموقف الصعب و هذا الفراق الأليم الي شئ من المواساة و الصبر فأنزل الله تعالي آية النصرة و التأييد فقال الله تعالي:” إن الذي فرض عليك القرآن لرآدك الي معاد.”سورة القصص آية 85
فهذا كان جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بأن الله تعالي سيرده الي موطنه مكة معززا مكرما منتصرا علي الكافرين و هو ما تحقق بالفعل لأن الله لا يخلف الميعاد .
و من الدعاء الملازم للنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فقد روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين:” اللهم أغفر لي و أرحمني و أهدني و أجبرني و أرزقني ” سنن الترمذي.
و عندما أنقطع الوحي عن الرسول صلي الله عليه وسلم فترة طويلة عند رأي أغلب الفقه أنها كانت 40 يوما و عند البعض كانت المدة سنة كاملة وهناك رأي بأنها كانت سنتين،
و كان النبي صلى الله عليه وسلم حزين بذلك فجبر الله خاطره كما جاء في سورة الضحي:” و الضحي و الليل إذا سجي ما ودعك ربك و ما قلي
و للآخرة خير لك من الأولي و لسوف يعطيك ربك فترضي ” سورة الضحي الآيات من 1-5
و في سورة الضحي أيضا جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم بأن قال تعالي: ” ألم يجدك يتيما فأوي ووجدك ضالا فهدي ووجدك عائلا فأغني ” سورة الضحى الآيات من 6-8.
و في سورة الشرح جبر الله تعالي خاطر نبيه محمد صلي الله عليه وسلم عندما قال :” ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك و رفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا “سورة الشرح الآيات من1-6.
و قال المفسرون أن هذه الآيات تشير الي جبر الخواطر و هي من أعظم المقاصد في تمام الدين و هي رسالة آلهية مستمرة الي الرسول صلي الله عليه وسلم رسالة طمأنة لكل مهموم و تسلية لصاحب الحاجة و فرج لكل من وقع في بلاء و فتنة فإن الله تعالي يجبر كل قلب يلجأ إليه بكل صدق .
و لعل من فضائل الله تعالي في جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم في عام الحزن عندما توفيت زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها و توفي في نفس العام عمه أبي طالب الداعم لرسول الله صلي الله عليه وسلم في مكة في بداية بعثته النبوية،
و بعد أن لاقي من سوء المعاملة عندما أستقبلوه أهل الطائف عندما لجأ إليهم فقد أراد الله أن يخفف عنه عناء ما لاقي و جبر بخاطره و طمأنه و ثبت قلبه بالإيمان و الصبر و قوة التحمل فتمت أعظم رحلة تجاوزت فيها حدود الزمان و المكان و هي رحلة
الإسراء و المعراج.
# أما ما يتعلق بجبر الرسول صلي الله عليه وسلم بخاطر الناس في تعاملاته معهم فالنماذج كثيرة فكان الرسول صلي الله عليه وسلم في حياته و تعاملاته مع الناس سهلا لينا سمحا قريبا من الناس مجيبا لدعوة من دعاه قاضيا لحاجة من طلب منه قضاء حاجته جابر لقلب من سأله لا يحرمه و لا يرده خائبا .
فكان الرسول صلي الله عليه وسلم في تعامله مع الناس يرد التحية منهم بأحسن منها و كان لا ينطق دائما الإ بالكلمة الطيبة فالكلمة الطيبة صدقة و كان الرسول صلي الله عليه وسلم حسن الجلوس مع الناس بشوش الوجه حسن العشرة ليس غليظ القلب معهم مصداقا لقول الله تعالي:” فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم و أستغفر لهم و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين ” سورة آل عمران آية 159.
و لعل ما نتأسي به من جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا و أقوالنا و أفعالنا و أحوالنا مصداقا لقوله تعالي ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ”
لذلك فعلينا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم و نتأسي بشمائله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، و من يسر علي معسر يسر له عليه في الدنيا والآخرة و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
# و عن جبر خواطر المسلمين في القرآن الكريم نجد أن من الأمور التي لها ثواب كبير و فضل عظيم عبادة جبر الخواطر بقضاء حوائج الناس و قد أكد علي هذا المعني فتوي الأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك محددا مايلي :
# حث الإسلام علي التعاون و السعي في قضاء حوائج الناس لتحقيق التراحم و التكافل و التواصل بين أفراد المجتمع
حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” إن لله عبادا أختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم منها ما بذلوه فإذا منعوها نزعها منهم فحولها الي غيرهم .أخرجه الطبرني.
و قضاء حوائج الناس لا يقتصر بالنفع المادي فقط و لكنه يشمل النفع بالعلم و الرأي و المشورة و النصيحة و الكلمة الطيبة و دفع الضر ما أمكن.
و قضاء حوائج الناس يكون أما بنفس العبد المؤمن و أما بالغير بأن يسعي لقضائها عندما يملك قضائها و إن لم يتيسر فبالدعاء له بالفرج و التيسير.
كما أن قضاء حوائج الناس ليس بالضرورة أن تكون في العلن و أنما من الأفضل أن تكون في طي الكتمان فثوابها أعظم و أعظم أجرا .
# و من عظم جبر الخواطر التي حث عليها الإسلام في التعامل مع المسلمين فيما بينهم هو زيارة المريض فما أحوج المريض من جبر خاطره و هو في لحظات ضعفه و ألمه بزيارته للتخفيف عنه و الدعاء له بالشفاء و هي عبادة “عيادة المريض.”
# و من مكارم الأخلاق في شأن جبر الخواطر عند المسلمين تشمل :
الإعتذار،
و الإبتسامة، و إدخال السرور في قلب العبد ،و الهدية، و التزاور، و السؤال حتي الدعاء نفسه من جبر الخواطر، بالإضافة الي التصدق علي الفقراء، و قضاء ديون الغارمين،
و كفالة اليتيم ،
و الشكر علي حسن العمل ،و المشورة ،
و تقديم الرأي ،
و النصيحة.
و نختم بهذا الدعاء:
” اللهم بعزتك ،
و قدرتك ،و جلالك
و عظم شأنك،
و جبروتك أجبر خواطرنا عند كسر قلوبنا و أجبرنا عند مرضنا بشفائنا ،
و أجبر مصيبتنا بمواستنا ،و أجبر خطايانا برحمتك ،
و عفوك ،و رضاك،
و مغفرتك ،و أجبر كربنا ،و همنا، و غمنا بجبر خاطرنا ،و طيب قلوبنا و إصلاح بالنا فأنت لا يعجزك شيئا في الأرض و لا في السماء أنت ولي ذلك و القادر عليه و آخر دعوانا قال الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي سيدنا محمد و علي أله و صحبه و سلم.

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock