جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى ث
حسين عطايا – كاتب وباحث سياسي
لا شك ان توقع الرد الايراني على قصف إسرائيل لقنصليتها في العاصمة السورية دمشق ، هو ضرب من ضروب الخيال ، لابل يُحاكي التوقعات التي يُقدمها بعض المنجمين حديثي النعمة ، بالنظر الى تاريخ الصبر الاستراتيجي التي تنتهجه طهران في الرد على الصفعات الكبيرة والكثيرة التي تتلقاها دون ان تحرك ساكناً ، بل انها تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين .
اي ان طهران اعتادت على تلقي الصفعات في ارضها وقادتها وعلمائها ، في الداخل الايراني ، او في الاراضي التي تخضع لسيطرتها ووصايتها ، ذلك الامر سهل ولازال يُسهل ازدياد حجم الضربات التي تتلقاها دون ان تُحرك ساكناً ، إن في العراق ” قاسم سليماني ” او في سوريا حيث قُتل العديد من قادتها وظباطها الكبار ، وحتى في عقر دارها بدءاً من ابو القنبلة النووية ” محسن فخري زادة ” ، بالاضافة الى سرقة الارشيف النووي الايراني على يد الموساد الاسرائيلي ، وبالطبع يضاف اليها العديد من الانفجارات الغامضة التي ضربت موقع نطنز النووي وغيرها من عمليات الاغتيال على التراب الايراني ، الى ان اتت عميلة قصف القنصليه في دمشق ومقتل قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضى زاهدي ومستشاره وخمسة ظباط اخرين .
كل هذه العمليات مرت دون رد فوري او حتى بعيد في الزمن عن الفعل ، مما يعني ان ايران تستعمل ادواتها واذرعها للرد عنها وللموت عنها وللدمار عنها ، مما يحتم ان ايران ” نمرٌ من ورق ” ، تتلطى خلف ادواتها ليس خوفاً من تلقي الضربات فحسب ، بل لانها تلهث خلف مفاوضات وتفاهمات مع الولايات المتحدة للتخفيف من حدة ازماتها الاقتصادية التي تضربها منذ استخدام الولايات المتحدة سيف العقوبات المسلط عليها .
فكما ايران بحاجة للتفاهم مع الادارة الامريكية للتخفيف من حدة ازماتها وللحفاظ على نظامها ، كذلك واشنطن بحاجة لطهران لتبقى سيفاً مسلطاً على دول الخليج والمنطقة العربية ، كونها في كثيرٍ من الاوقات تخدم السياسة الامريكية ومصالحها الكُبرى ولا شك ان العاصمة العُمانية مسقط تُشكل الحديقة الخلفية لمقر ومستقر اللقاءات والاجتماعات التي دوما ما تُنتج تفاهمات تخدم مصالح البلدين .
من هنا تأتي عملية التنبؤ بالزمان والمكان اللذين سترد فيها ايران على قصف قنصليتها بابٌ من ابواب التنجيم ، ما عدا بعض الاشارات والتي صدرت عن المستشار العسكري للمرشد الايراني ” يحي رحيمي صفوي ” والذي عبر فيه ” أنه لم تعُد السفارات الاسرائيلية في العالم آمنة ، مما يؤكد ان الرد الايراني سيستهدف سفارة ما او قنصلية ما في دولة ما قد تُشكل ما تُريده ايران على ان يكون رداً متفاهماً عليه مع واشنطن ، ولا يؤدي الى تصعيد خطير او توسع الاعمال الحربية في الاقليم وزيادة حدتها وانتشارها ، وبالتالي يوفر على اذرع ايران عبيء المواجهات وايضاً يُعفي درة تاجها ” حزب الله ” من تصعيد خطير على الجبهة اللبنانية الجنوبية ، والتي يتلقى من خلالها الضربات الكبيرة في ارواح قادته الميدانيين والمستودعات والمنشآت العسكرية التي يُخزن فيها عتاده وعلى مختلف الاراضي اللبنانية .
إذن الرد ” آتٍ لا محالة ” كما قال امين عام حزب الله في خطابه الاخير يوم الجمعة الفائت ، ولكن بعد ان تكون إسرائيل قد اخذت في الحسبان مكان وزمان الرد وتكون بالتالي واشنطن دخلت على خط التهدئة بين العاصمتين طهران وتل ابيب ، ووضعت الرد الايراني في إطاره المحدود من حيث الحجم والاضرار المتوقعة عنه ومنه .
الرد الايراني سيكون مجرد مسرحية ركيكة الحبكة والاخراج وعمل مموه الى حد الهزالة وبما فيها الكثير من السوء وازدراء عقول الاتباع والاذرع التي تدور في فلك طهران لا اكثر .