رمضان شهر الطاعة والمغفرة والقرآن…فكيف نستعد لاستقباله؟

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير

وجدى وزيرى 

بقلم/ جاكلين على

ينبغي أن يعتقد المسلم أن رمضان هو فرصة الزمان، فلم يكن رمضان عند سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم-مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة تجلت واضحة من خلال استعدادهم له واحتفائهم به ودعائهم وتضرعهم إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يبلغهم إياه لما يعلمون من فضيلته وعظم منزلته عند الله -عز وجل- .
و كان الصحابة يدعون الله- عز وجل- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم. كما كان من دعائهم:
” اللهم سلمني إلينا رمضان، وتسلمه منا متقبلاً “.
ويعتبر الاستعداد لرمضان سنة عن النبي المصطفي -صل الله عليه وسلم-؛ فقد وصفت أمنا عائشة -رضي الله عنها- حال نبينا -صل الله عليه وسلم- في استعداده لرمضان فقالت: (وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا) رواه مسلم.
وأجمع الفقهاء عن الاستعداد لرمضان بما يلي:
1- النية الخالصة:
وذلك بالتأهب لرمضان وحسن الاستعداد له: أن يتم عقد العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات، وكذا بذل المجهود واستفراغ كل الوسع في استغلال كل لحظة فيه في رضا الله -سبحانه وتعالى.
وهذا العزم يجعل نيته تقوم مقام عمله فيجازيه الله على حسن نيته وعلى هذا العزم فينال الأجر وإن لم يعمل، إذا سبقه قدر الله -عز وجل- ووافيته المنية. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة) متفق عليه، وقال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى) متفق عليه.
وقال الله -عز وجل- في كتابه الكريم:
(ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) (سورة التوبة/46)، وكذا: (فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم) (سورة محمد/21).

2 – التوبة الصادقة:
وهي واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في هذا الحين ألزم وأوجب، للإقبال على طاعة الرحمن، وإن ثقل الذنوب يمنع المسارعة في الطاعات. وقال الفضيل : ” إذا كنت لا تستطيع قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محبوس قد قيدتك ذنوبك”.
فلابد من التوبة النصوح المستلزمة لشروطها، المصحوبة برد الحقوق إلى أهلها، والمصاحبة للافتقار وإظهار الفاقة والحاجة إلى العزيز الغفار، ولابد من إظهار الرغبة بحسن الدعاء ودوام الاستغفار وكثرة الإلحاح والتضرع إلى الله بالقبول وأن يجعلنا بفضله ورحمته ممن تقبل توبتهم قبل رمضان وأن يكتبنا في آخره في ديوان العتقاء من النار . وعلامة الصدق كثرة الإلحاح ودوام الطلب وكثرة الاستغفار.

يا من يرجّى للشــدائد كلها .. يا من إليه المشتكى والمفـزع
يا من خزائن فضـله في قول كن .. امنن فإن الخير عندك أجمع

3 – معرفة شرف الزمان:
فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة بالعمل الصالح. قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربة.
ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله- عز وجل- له بأنه “أيامًا معدودات” وهي إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيه من كان مستعدًا له مستيقظا إليه .
فإذا أدرك الإنسان قصر وقت رمضان علم أن مشقة الطاعة سرعان ما تذهب وسيبقى الأجر وتوابعه من انشراح القلب و الصدر وفرحة العبد بطاعة ربه-سبحانه وتعالى- .

4 – التقليل من الطعام:
وهو مقصد من مقاصد الصيام، لإعطاء المعدة فرصة للراحة، وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام هذه هي التي قسَّت القلوب حتى صيرتها كالحجارة، وأثقلت على النفوس الطاعة، وزهدت الناس في الوقوف بين يدي الله. فمن أراد الاستمتاع بالصلاة فلا يكثر من الطعام، بل يخفف؛ فإن قلة الطعام توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وإنكسار النفس، وضعف الهوى والغضب .
قال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورق، وإن كثرة الطعام تمنع صاحبها عن كثير مما يريد .
قال سلمة بن سعيد: إن كان الرجل ليعير بالبطن كما يعير بالذنب يعمله .
وقد تجشأ رجل عند النبي -صل الله عليه وسلم- فقال: [كف عنا جشاءك، فإن أطولكم شبعًا في الدنيا أطولكم جوعًا يوم القيامة] رواه الترمذي.

5 – تعلم أحكام فقه الصيام:
وذلك ليتم الإنسان صيامه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فيسحتق بذلك تحصيل الأجر والثواب وتحصيل الثمرة المرجوة والدرة الغالية وهي التقوى، وكم من إنسان يصوم ولا صيام له لجهله بشرائط الصيام وآدابه وما يجب عليه فيه، وكم ممن يجب عليه الفطر لمرض مهلك أو لعذر شرعي، ولكنه يصوم فيأثم بصومه، فلابد من تعلم فقه الصيام وأحكامه.

6 – تعويد النفس على:
(أ) الصيام: وقد كان النبي يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً. وكان هذا ضروريًا لتعويد النفس على الصيام حتى إذا جاء رمضان كانت مستعدة بلا كلفة ولا تعب يمنعه عن العمل ويحرمه من كثرة التعبد.
(ب) القيام: وهي سنة عظيمة، ولذة عجيبة، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة. فهي مدرسة تربى فيها النفوس، وتزكى فيها القلوب، وتهذب فيها الأخلاق. عمل شاق، وجهاد عظيم لا يستطيعه إلا الأبطال من الرجال، والقانتات من النساء، الصابرين والصادقين … بالأسحار . هو وصية النبي لنا وعمل الصالحين قبلنا: [عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد] رواه الترمذي .
إن تعويد النفس على قيام الليل ضروري قبل رمضان وبعد رمضان، وهو إن كان لازمًا لكل الناس فهو للدعاة والأئمة ألزم، ففيه من الأسرار ما تنفتح له مغاليق القلوب وتنكسر أمامه أقفالها، فتنزل الرحمات والبركات ويفتح على الإنسان من أبواب الفهم والفتوح ما لا يعلمه إلا الله.
لذا عليك بمجاهدة النفس على القيام ولتكن البداية بركعتين ثم زد رويدًا رويدًا حتى ينفتح قلبك بفيض من الرحمن .
(ج) كثرة التلاوة: شهر رمضان شهر القرآن، وقد كان النبي -صل الله عليه وسلم- يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل- عليه السلام- في رمضان كما في حديث ابن عباس وذلك كل ليلة، وكذلك كان النبي -صل الله عليه وسلم- يطيل في قيامه جدًا كما في حديث حذيفة .
وهكذا كان السلف والأئمة يولون القرآن في رمضان اهتمامًا خاصًا.

7ـ المسابقة والجدية:
وهي أصل في العبادة كما في كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21) وفي الحديث: (سبق المفردون سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله! قال “الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات).
وقد كان كل واحد من الأولين يعتبر نفسه المخاطب بهذا الأمر دون غيره فكانوا يتسابقون في الطاعة يدلك على هذا ما أثر عنهم من قولهم: “لو أن رجلا بالمشرق سمع أن رجلا بالمغرب أحب إلى الله منه فانصدع قلبه فمات كمدا لم يكن عجبا”.
و ختاما، أسأل الله الكريم -سبحانه وتعالى- أن يبلغنا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة بفضله ورحمته، وأن يجعلنا في رمضان هذا من عتقائه من النار، اللهم آمين.

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock