زيارة بوتين للشرق الاوسط ومدى اهميتها .

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس مجلس الإدارة والتحرير وجدى وزيرى حسين
حسين عطايا – كاتب وباحث سياسي لبناني .
قد يجد البعض ان زيارة الرئيس فلاديمير بوتين ، على انها مجرد زيارة عادية لرفع العتب او للظهور ، وهذا يدُل على بعض من قصر نظر ، او تماهي مع مشروع تهميش الدور الروسي وبأنها دولة قاصرة وهي تتخبط في حربها الدائرة في اوكرانية .
قد يكون هذا الرأي فيه بعضٌ من الخفة وعدم قراءة التاريخ الروسي ، او تاريخ الشعب الروسي وجيشه وتضحيات ذاك الشعب لاسيما في الحربين الاخيرتين :
الاولى : الحرب العالمية الثانية وضريبة الدم التي دفعها الشعب الروسي وبقية الشعوب السوفياتية وهي قاربت الخمس وعشرون مليون شهيد في حرب استمرت لسنوات وكان الشعب الروسي وجيشه رأس حرب في هزيمة المانية النازية وحلفائها .
الثانية : رغم معارضة الاعتداء على دول الجوار وعلى سيادة الدول ، إلا ان الحرب الروسية على اوكرانية لم تكن بنت ساعتها او نتيجة خطأ الرئيس الروسي فحسب ، بل هو نتاج لعِبٌ في الحديقة الخلفية لروسيا من قِبل حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة ، وفي هذه الحرب الدائرة هي ليست بين روسيا وجيشها واوكرانية المُعتدى عليها وجيشها ، بل ان اوكرانيةا وقواتها المسلحة هي الاداة التي يستعملها الناتو ويستثمر بالدم الاوكراني في تلك الحرب المجنونة ، وبالتالي على الرغم من ان تلك الحرب هي بين روسيا ودول حلف الناتو مجتمعة وباقي حلفائها
، وبذلك يظهر بوضوح ان الاستخفاف بتلك الزيارة التي حصلت بالامس في نهار الاربعاء في السادس من كانون الاول – ديسمبر ، هي نتاج قصر نظر وعدم القراءة الجيدة .
لذلك ، تأتي زيارة بوتين لدولتي ،الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، وفي هذا الوقت المفصلي بالذات وما رافقها من عروض للقوة ، هي تهدف على ان لروسيا دورٌ بارز على الساحة الدولية وهو لم يتأثر بالحرب فقط ، وعلى ان علاقاته مع الدول العربية الخليجية هي اساسية ونقطة ارتكاز محورية في هذا الوقت التي تدور الحرب الاسرائيلية على غزة وانجرار الولايات المتحدة الى الغرق في رمال غزة المتحركة .
لم تكن الزيارة مجرد عادية بل تأتي في وقت كانت قد اصدرت المحكمة الجنائية في شهر اذار – مارس الماضي ، مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي بوتين ، وهذا ما اثر على اختياره وفك العزلة عنه منذ بدء الحرب الروسية الاوكرانية ، وتأتي زيارته للخارج على انها مُنتقاة بعناية تامة واختيار الامارات العربية والمملكة العربية السعودية في أول زيارة خارج روسيا كون هاتين الدولتين لم توقعا على بروتكول المحكمة وبالتالي هما غير معنيتان بقرارها بحق الرئيس الروسي .
هذا على الجهة القانونية ، وبالتالي رفع الحرج عن سلطات الدولتين ، ولكن الحدث الاهم الذي رافق الزيارة عرض القوة الذي رافق الزيارة نتيجة مرافقة الطائرة الرئاسية الروسية طائرات سو ٣٥ بكامل ذخيرتها ، وهذا يدل على مدى اهمية الرسالة الذي اراد الرئيس بوتين توجيهها للولايات المتحدة وحلفائها ، واتى استقبال الامارات للطائرة الروسية عبر طائرات حربية اماراتية والتحية من خلال رسم الوان العلم الروسي ومرافقتها منذ دخولها المجال الجوي الاماراتي ، كما ان المواضيع الذي اراد بحثها في كل من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانت ذات اهمية مشتركة والاستقبال المميز من قبل سلطات الدولتين والاجواء الايجابية التي رافقت الزيارة ، مما اكد عمق العلاقات البينية والاحترام للدور الروسي خصوصاً تميزهُ في موضوع الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لاسيما الدور الروسي الصيني والذي تم التعبير عنه في تقديم مشروع قرار لوقف إطلاق النار في حرب غزة والذي تم استعمال حق النقد الفيتو من قبل الولايات المتحدة الامريكية ورفضها له .
كل هذه الامور ، تُبرر اهمية الزيارة ، واهمية تنوع العلاقات الدولية والسياسية من قِبل بعض الدول العربية وعدم حصريتها في العلاقة مع الولايات المتحدة ، خصوصاً في الوقت التي تترافق مع التغيير في الرأي العام العالمي وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني في الوقت الذي تُحافظ فيها روسيا عن عمق علاقاتها بالملف الفلسطيني ، مع إستمرار الموقف الامريكي ودعمها اللا محدود لاسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني ، كل هذه الاحداث فرضت مستوى عالٍ من الاهمية لزيارة الرئيس الروسي في هذه الظروف بالذات .