الدكتور احمد منير يكتب ظاهرة الغش في الامتحانات الأسباب والعلاج

ظاهرة الغش في الامتحانات الأسباب والعلاج
إن الغش ظاهرة خطيرة وسلوك مشين، وهو ظاهرة خطيرة سببها غياب الضمير الإنساني وفقد مراقبة الله؛ والغش له صور متعددة، وأشكال متنوعة، ابتداء من غش الحاكم لرعيته، ومرورا بغش الأب لأهل بيته، وغش الخادم في عمله؛ و انتهاء بالغش في التعليم والامتحانات.
وحديثي سوف يكون فقط عن الغش في الامتحانات، والذي أصبح يشكو كثير من المدرسين والتربويين من انتشاره وفشوه؛ وهذا حق، فإن ظاهرة الغش بدأت تأخذ في الانتشار، ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب، بل تجاوزتها إلى الثانوية والجامعة والدراسات العليا، فكم من طالب قدم بحثا ليس له فيه إلا أن اسمه على غلافه!! وكم من طالب قدم مشروعا ولا يعرف عما فيه شيئا!! وبل وقد تعجب من انتكاس الفطر عند بعض الطلاب، فيرمي من لم يغش بأنه مقعد ومتخلف وجامد الخ .. تلك الألقاب؛ ولربما تمادى أحدهم فاتهم الطالب الذي لا يساعده على الغش بأنه لا يعرف معنى الأخوة ولا التعاون. هذه الظاهرة التي أنتجها الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى، نعم لما عاش كثير من طلابنا فصاما نكدا بين العلم و العمل، ترى كثيرا منهم يحاول أن يغش في الامتحانات، و هو قد قرأ حديث الرسول صلى الله عليه و سلم : (“من غش فليس منا ” (مسلم)، بل ربما أنه يقرأه على ورقة الأسئلة، و لكن ذلك لا يحرك فيه ساكنا، لأنه قد استقر في ذهنه أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم؛ ولا أبالغ إن قلت: إن ظاهرة الغش أصبحت في غش القرآن ولا سيما في المعاهد الأزهرية بل ويمزقون المصحف ويأخذون الجزء المقرر في دورات المياه وهناك يداس بالأقدام!!!
أسباب الغش:
للغش أسباب كثيرة التي تنتج هذا الخلق المشين منها:
1- ضعف الإيمان: فإن القلوب إذا ملئت بالإيمان بالله لا يمكن أن تقدم على الغش وهي تعلم أن ذلك يسخط الله ؛ لا يمكن للقلوب التي امتلأت بحب الله أن تقدم على عمل وهي تعلم أنه يغضب الله.
2- ضعف التربية : خاصة من قبل الوالدين أو غيرهما من المدرسين أو المرشدين؛ فلا نرى أبا يجلس مع ابنه لينصحه ويذكره بحرمة الغش، ويبين له أثاره وعواقبه، بل تعجب من بعض الآباء إذا قلت له ذلك أجابك مباشرة : لماذا، هل ابني غشاش؟ بل ربما لو وقع الابن في يد المراقب، لجاء ذلك الأب يدافع عنه بالباطل!!
3- تزين الشيطان : فالشيطان يزين لكثير من الطلاب أن الأسئلة سوف تكون صعبة، ولا سبيل إلى حلها والنجاح في الامتحانات إلا بالبرشام والغش؛ فيصرف الأوقات الطويلة في كتابة البراشيم، و اختراع الحيل والطرق للغش؛ ما لو بذل عشر هذا الوقت في المذاكرة بتركيز لكان من الناجحين الأوائل!!
4- الكسل وضعف الشخصية: فترى كثير من الطلاب يرى زملائه من بداية العام وهم يجدون ويذاكرون ويهيئون أنفسهم للامتحان الأخير ، وهو لا هم له إلا اللعب والمرح .
فإذا ما جاءت الامتحانات النهائية تراه يطلب المساعدة، ويطلب النجاح ولو كان على ظهور الآخرين ولو كان ذلك بالغش. إن الغش هو حيلة الكسول ، وهو طريق الفاشلين؛ وهو دليل على ضعف الشخصية حيث أن الذي يغش لا يجد الثقة في نفسه بأنه قادر على تجاوز الامتحانات بنفسه وجهده واستذكار دروسه لوحده، ومن ثم الإجابة معتمدا على مذاكرته.
5- الخوف من الرسوب: فالخوف من الفشل يسبب قلقا مستمرا لكثير من الطلاب مما يجعلهم يلجئون إلى الغش كسبيل للنجاة.
آثار الغش على الفرد والمجتمع:
للغش آثار كثيرة على الفرد والمجتمع ومن ذلك:
1- أنه سبب لتأخر الأمة، وعدم تقدمها وعدم رقيها، وذلك لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب المتعلم، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش، فقل لي بريك: ماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟! ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم ؟! ما هو الدور الذي سيقوم به في بناء الأمة ؟! لا شيء ، بل غاية همه؛ وظيفة بتلك الشهادة المزورة، لا هم له في تقديم شيء ينفع الأمة، أو حتى يفكر في ذلك؛ و هكذا تبقى الأمة لا تتقدم بسبب أولئك الغششة بينها؛ ونظرة تأمل للواقع : نرى ذلك واضحا جليا، فعدد الطلاب المتخرجين في كل عام بالآلاف ولكن قل بربك من منهم يخترع لنا؟! أو يكتشف؟! أو يقدم مشروعا نافعا للأمة؟! قلة قليلة لا تكاد تذكر!!
2- أن الغاش غدا سيتولى منصبا، أو يكون معلما وبالتالي سوف يمارس غشه للأمة، بل ربما علَّم طلابه الغش.
3- أن الذي يغش سوف يرتكب عدة مخالفات –إضافة إلى جريمة الغش – منها السرقة، والخداع ، و الكذب، و أعظمها الاستهانة بالله، و ترك الإخلاص، و ترك التوكل على الله …إلخ
4- أن الوظيفة التي يحصل عليها بهذه الشهادة المزورة، أو التي حصل عليها بالغش سوف يكون راتبها حراما، لأنه بني على حرام ،وأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به.
علاج الغش:
لاشك أن خطبة واحدة، بل خطب لن تقاوم هذا المنكر العظيم؛ لذا كان لا بد من تعاون الجميع في مقاومة هذه الظاهرة ، كل بحسب استطاعته وجهده، فالأب في بيته ينصح أبنائه ويرشدهم ويحذرهم بين الحين والآخر ، والمعلم والمرشد في المدرسة والجامعة كل يقوم بالوعظ ، والإرشاد، وكذلك الداعية في خطبه ودروسه، والإعلام بوسائله المختلفة.
وأخيرا نداء للشباب، أخي الشاب: تذكر قول الرسول صلى الله عليه و سلم : (من غش ) ليشمل كل صور الغش ، كبيره وحقيرة، في المواد الشرعية أو الأجنبية، فكل ذلك داخل في الحديث؛ فهل ترضي أن يتبرأ منك النبي صلى الله عليه وسلم؛ تذكر أنك بمجرد أن تفكر في الغش فقد تخليت عن أهم صفة يجب أن تتحلى بها في هذا العلم؛ ألا وهي الإخلاص لله؛ وذلك لأنك بتفكيرك في الغش؛ يكون همك هو الدرجات والشهادة فقط، وهل تدري أي خطر في هذا؟! إن هذه العلوم التي تدرسها؛ إن كانت من علوم الدنيا فقد ضيعت على نفسك أعظم الأجر، وإن كان فيها بعض العلوم شرعية ( كالفقه والتوحيد ..) وهي مما يجب ابتغائها لوجه لله، ولو طلبها العبد لغير الله فيخشى عليه أن يكون من أصحاب هذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا ” [ أبوداود وابن ماجة والحاكم وصححه ] ، يا لله ؛ لم يرح رائحة الجنة! وأعظم من ذلك كله، أنك جعلت الله أهون الناظرين إليك؛ نعم جعلت الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أهون من المراقب، كم من طالب لو وقف المراقب بجواره لأصبح قلبه يرتجف، وأوصاله تضطرب، والعرق يتحدر من جبينه؛ ولكن إذا ابتعد المراقب جاءت النظرات، وجاءت المحاولات للغش والخداع!!
أخي الشاب: عليك أن تراقب الله قبل كل شيء، وأن تعلم أن روحك التي بين جنبيك بيد الله، فاتق الله ولا تجعل الله ينظر إليك وأنت تعصيه؛ تذكر أن الأمانة سوف تنصب على جنب الصراط، و لن يجوز عليه إلا من كان أمينا، والغش ينافي الأمانة كل المنافاة.
أسأل الله أن يسهل على أبناءنا، وأن يحميهم من الغش والخيانة، وأن يأخذ بنواصيهم لما يحب ويرضى؛ وأن يرزقنا مراقبته في السر والعلن؛ وأن يتقبل منا ومنكم طيب القول وصالح العمل وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا .

د/ أحمد منير عبد الفتاح
موجه عام منطقة وعظ الشرقية وعضو لجنة التحكيم وفض المنازعات

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock