عادل القليعي يكتب لا تكونوا متنمرين…ولكن كونوا عباد الله متحابيين

جريدة بكره احلى الاخبارية رئيس التحرير وجدى وزيرى
نعم هى ظاهرة، ظاهرة التنمر من الظواهر الخطيرة التي ضربت مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ليس هذا وحسب، بل وضربت العالم جميعا لكن بصورة أخف وطأة وحدة، لأن الغرب يتعامل مع الإنسانية ممثلة في شخوصهم، وهذا ليس انحيازا للغرب، وإنما من واقعنا قراءاتي الفلسفية أدركت ذلك.
والرأي عندي أن هذه الظاهرة لم تكن مستحدثة بل كانت قديمة قدم الإنسان، فقد تنمر هابيل بأخيه قابيل واستأسد عليه وقتله، وقد تنمر كفار قريش بالمستضعفين واستعبدوهم وفردوا قواهم العضلية عليهم، وسيدنا بلال لاقى ما لاقاه من أصناف التنمر، إن بالسب، يا ابن السوداء، وتارة بالضرب، وحتى بعد إنتشار الإسلام تنمر دون قصد أحد الصحابة على عبدالله بن مسعود وسخر من دقة ساقه وعنفه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا يا أبا ذر إنك إمرؤ بك جاهلية، إذن التنمر ظاهرة في رأيى تعد من بقايا الجاهلية الأولى.
وقد تعرض علماء وفلاسفة إلي تنمر سواء من السلطة الدينية أو السلطة السياسية مثلما حدث مع جاليليو وابن رشد، فقد لقيا ما لم يلاقيه أحد من صنوف التنمر وهيمنة السلطات الدينية عليهما والوشاية بهما عند السلطة السياسية فنجد ابن رشد أحرقت كتبه، وكذلك محنة الإمام أحمد بن حنبل في رفضه القول بحدوث أي بخلق القرآن وتربص المأمون به وسجنه وجلده.
وقد يجابهني أحد بسؤال قائلا ، فرق بين الاضطهاد والتنمر ؟!
نرد قائلين أنتظر لنتعرف على المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة التنمر ، وستجد أن الاضطهاد صورة من صور التمر.
إذن هذه الظاهرة ليست جديدة، لكن الجديد في عالمنا المعاصر، إنتشار هذه الظاهرة واستشراءها بصورة ملفتة للنظر وتسترعي انتباه كل من هو مهموم بقضايا الوطن الأصغر، وكذلك وطنه الأكبر عالمه الذي يحياه.
ثم تعريف للتنمر، تعريف لغوي، وتعريف اصطلاحي.
التعريف اللغوي: فالتنمر في اللغة هو الذي يشير إلى الشخص الذي غضب وساء خلقه وأصبح مثله مثل النمر الهائج، فإن مصدر تنمر هو نمر، وهي التي تشبه النمر ويأتي المفعول متنمر له.
التنمر اصطلاحا: يعرف التنمر اصطلاحا، بأنه تكرار السلوك العدواني مع تزايد قابليته لتكرار وقوعه وذلك باستخدام القوة البدنية، أو المعلومات الشخصية التي قد يهدد بها جميع فئات المجتمع على تفاوت طبقاتهم وأعمارهم، مما يلحق بهم الأذي النفسي وهي التي تتمثل في نشر الشائعات لتقليل من شأن الآخرين فضلا عن التعدي عليهم بالقول أو بالفعل.
من هو المتنمر:هو إنسان تجرد من إنسانيته سواء برغبته أو نتيجة لظروف تعرض لها، أحدثت له خلل واضطرابات نفسية، كأن يكون قد تعامل وهو صغير معاملة سيئة من والديه أو من زميله في المدرسة أو جاره، ولمجرد أن أمتلك ما يؤهله للتنمر انطلق ليمارس تنمره على الآخرين.
أو هو إنسان أمتلك من القوة العضلية والذكاء ما يؤهله لممارسة التنمر كنوع من إثبات الشخصية أو بسط هيمنته على من هم أقل منه سواء عضليا أو منصبا أو مالا أو جاها.
وكلا النوعين أصنفه مريض نفسي مصاب بمرض البارانويا، بنوعيها بارانويا العظمة أو الاضطهاد ويحتاج إلى علاج نفسي من الدرجة الأولى الذي قد يستوجب إيداعه إحدي المصحات النفسية لأن خطره على نفسه لا يقل خطوره عن خطره على المجتمع.
أما المتنمر به:فهو إما طفل مدلل نشأ في بيئة دللته ووفرت له كل سبل الترفيه، فلم يستطع أن يتعامل مع واقعه الذي يعيش فيه إن أصابت أسرته فاقة مثلا كأن ينتقل من مدرسته الأجنبية إلي مدارس أخري، فلا يستطيع أن يتوائم مع المناخ الجديد الذي فرض عليه فينزوي جانبا مما يسبب حقدا أو غيرة من أقران سنه، ويبدأون في تكوين مجموعات استعراضية عليه (يحفلوا عليه)، ضربا تارة واستهزاءا تارة أخرى، وسبا وقذفا تارة ثالثة.
قس على ذلك كافة المراحل العمرية سواء في التعليم الثانوي أو الجامعي، أو حتى بعد التخرج والعمل، إذا لم يكن ذا شخصية متوازنة، وليس بالضرورة يمتلك قوة عضلية، لكن يمتلك شخصية مؤثرة في الآخرين، فإنه سيتعرض للتنمر، وحدث معنا ذلك وقتما أتينا من بلدنا لا نجيد لغة الكوكاكولا لغة( القاهرة) سمعنا تنمرا لفظيا، الصعايدة وصلوا، كيفك يا واد العم، وغيرها من التهكمات والسخرية، طبعا ليس من الجميع بل من قلة قليلة من المجتمع، وبمجرد الإندماج مع هؤلاء حدث المصالحة والهدوء النفسي ومارسنا حياتنا.
أنواع التنمر:تنمر مباشر، وتنمر غير مباشر.
فالتنمر المباشر الذي يكون وجها لوجه المتنمر والمتنمر به، كأن يضربه أو يسبه أو يهينه بأي شكل من الأشكال وجسد ذلك الراحل العملاق أحمد زكي في فيلم النمر الأسود، عندما تنمر به الألماني وأهانه، وهذا نوع من التنمر العنصري بين الأبيض والأسود.
أما غير المباشر، وهو الذي عرف بالعدوان الإجتماعي كأن يثار حول المتنمر به الإشاعات والأكاذيب ووصفه بما ليس فيه وتحريض الناس عليه.
أقسام التنمر:
التنمر الإليكتروني، وهو إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي، كافة وسائل التواصل للاستئذاب والاستئساد على الآخرين سواء كانوا أطفال أو كبار وخصوصا البنات في سن المراهقة والسيدات المتزوجات عن طريق إستخدام التقدم التقني ونسخ صور فوتوشوب، وتركيب وجوه على أجساد عارية وغيرها من الموبقات التى قد توقع في براثن الرذيلة، أو عن طريق تسجيلات لمكالمات هاتفية أو نسخ أسطوانات أو تصوير في محالات للملابس الجاهزة وتصوير السيدات.
إن التنمر الاليكتروني يعد من أخطر أنواع التنمر الذي بات يهدد حياتنا، ويرجع ذلك إلي الإستغلال السيئ للتقدم التكنولوجي، فالتنمر الإليكتروني هو الإستعانة بالمعلومات وتقنيات الإتصالات التي من بينها الرسائل الإليكترونية والهواتف الذكية، فضلا عن الرسائل النصية، ومواقع الإنترنت التي تقوم على التشهير والتي من خلالها يحدث إيذاء الآخرين بشكل عدائي متكرر وابتزاز الأفراد الذين ينتمر بهم أسوأ ابتزاز بأسوء صوره.
وثم نوع آخر هو التنمر في العمل كأن يستغل مدير العمل مرؤوسيه ويتنمر بهم مهددا إياهم إن لم يفعلوا كذا سيحدث معهم كذا وكذا.
وأخطر أنواع التنمر التنمر في المدارس، تنمر التلاميذ بعضهم ببعض وتنمر المدرسين بالتلاميذ وتنمر المدرسين ببعضهم، كذلك التنمر الذي يحدث في المؤسسات الإجتماعية كدور رعاية الأيتام، وما يحدث مع القاصرات من الذئاب البشرية الذين يستغلون نفوذهم وأموالهم لاستدراج الصغار بالترغيب تارة وبالترهيب تارات عديدة.
ثم التنمر العسكري كتنمر الدول العظمي بالدول الصغري من أجل بسط الهيمنة العسكرية والسياسية وعن طريق فرض عقوبات حتى لا يحيدوا ولا يميدوا عن إتباعهم، وهذا ما يسمى ببسط الهيمنة العسكرية.
علاج التنمر.
– الأسرة عليها معول كبير في معالجة هذه الظاهرة، سواء المتنمر أو المتنمر به، وذلك عن طريق إكساب أفرادها نوع من الثقة بالنفس بالنسبة للمتنمر به،
وتوضيح للمتنمر أن الناس سواسية فليس معنى أن الله أعطاك قوة أو منصب أو جمال تتنمر بالآخرين فهم لك إخوة في الإنسانية.
– وسائل الإعلام بكل أنواعها عليها معول رئيس فى إبراز خطورة هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع فخطرها لا يقل عن القتل، فهذا قتل معنوي يقود إلي المرض النفسي الذي قد يتحول إلى قتل حسي، أو التحرش أو الاغتصاب فكل هذه المسميات وجوه لعملات واحدة وتقود إلي الهلاك والاضرار بالثروة البشرية، ويكون ذلك عن توظيف برنامج بعينها تستضيف خبراء نفسانيين واجتماعيين وحتى قانونيين لتوضيح العقوبات التي ينبغي أن تفرض على من يفعل ذلك وتجريمه وتغليظ العقوبة عليه.
– المؤسسات التعليمية سواء المدارس أو المعاهد أو الجامعات، فأوجه- إن جاز لي- بضرورة وضع مقررات ودروس توضح خطورة هذه الظاهرة وخصوصا في مراحل التعليم الأولي، فالمسألة ليست عبارات تكتب على الجدران أو تردد في طوابير الصباح، فرأينا عجب العجاب فتيات يتنمرن ببعضهن، وهذا يحتاج لوقفات منا إذا أردنا بناء سيكلوجية طفل سوي يستطيع أن يتوائم مع مجتمعه ويكون مؤثرا وفاعلا بدل أن يكون مفعولا به.
– المؤسسات الثقافية عليها دور رئيس في خطاب توعوي عن طريق عقد ندوات ومؤتمرات لإبراز خطورة هذه الظاهرة، وعقد مسابقات بحثية وتقدم جوائز لأفضل بحوث تكتب عن هذه الظاهرة، وكذلك الإهتمام بالتوصيات ورفعها في كتيبات للمسؤولين حتى يقفوا على خطورة الموقف ومن ثم يتخذوا كافة التدابير اللازمة لتحجيم هذه الظاهرة.
– المنابر الدينية فدور العبادة، المساجد والكنائس ليس دورها مقصور على الصلوات فقط وإقامة الشعائر، وإنما لابد وحتما أن توجه إلى خطورة هذه الظاهرة في خطب الجمع وفي قداس الأحد، بخطاب توعوي تعريفي بهذه الظاهرة وأن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، متساوون في الإنسانية، فالجميع مخلوق لآدم ومن ثم ليس ثمة داع للتنمر فالكل متساو كأسنان المشط الأبيض إنسان والأسود إنسان، فلا تميز عنصري ولا تمييز طائفي، فالكل لابد أن يتعامل بإحسان مع بني الإنسان.
حقا إذا أردنا أن نواكب ونعاصر ركب التقدم والمدنية الحديثة فلابد أن ننبذ ظاهرة التنمر هذه وليفتش كل منا بداخله، فإن وجد فيه بعض التنمر فليطرحه فورا وإلي الأبد دون عودة إليه، فعامل آخاك بما تحب أن يعاملك به وأحسن إليه كما تحب أن يحسن إليك وكونوا عباد الله متحابين لا متنمرييين.

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock