الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب “حتى آخر أوكرانى”

بكره احلى الإخبارية
خط أحمر وحيد لم يتم اجتيازه فى حرب أوكرانيا ، هو الانتقال إلى حرب عالمية نووية بدمار كونى ، فى حين جرى اجتياح كل الحواجز فى الحرب ذات الطابع العالمى، وصولا لوجود غير رسمى لقوات حلف الأطلنطى هناك ، فى صورة جماعات مرتزقة من العسكريين المتقاعدين المؤهلين ، وفى صورة جيوش شركات الحروب غير الرسمية ، تتقدمها “بلاك ووتر” الأمريكية ، إضافة لخدمات مئات الأقمار الصناعية المدنية والعسكرية على مدار الساعة ، وجنرالات أمريكيين وبريطانيين وغيرهم ، يتولون تخطيط وإدارة العمليات المنسوبة ظاهريا للجيش الأوكرانى ، عدا التدفق الرسمى الهائل المعلن وغير المعلن لأحدث طرازات الأسلحة الأمريكية والغربية ، وبأرقام تمويل فلكية ، زادت فى مجموعها الأمريكى والأوروبى على 120 مليار دولار ، أضيف إليها نحو 50 مليار دولار ، رصدتها واشنطن وحدها لدعم أوكرانيا فى العام الجديد .
ولا يخفى الهدف من حمى السلاح والمال ، وهو إضعاف روسيا وهزيمة الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” ، ومع ما بدا من صعوبة إنجاز الهدف ، بينما العام الأول للحرب يكاد يطوى أوراقه ، لجأت عصبة الأطلنطى وحلفاؤها بمجموع خمسين دولة إلى استنفار عام ، وفتحت كل مخازن سلاحها الفائق التطور ، وأعلنت تباعا عن استعدادها لتزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة دفاعية وهجومية ، وانتقلت من أنظمة الدفاع الجوى ، ونظام “باتريوت” الأمريكى فى قمتها ، إلى رفد قوات أوكرانيا بالمدرعات والدبابات ، ألمانيا التى انتظرت الآخرين الخمسين ، وتستضيف اجتماعاتهم السرية فى قاعدة “رامشتاين” ، أعلنت اعتزامها تزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد” بعد دبابات “جيبارد” ، فوق مدرعات “ماردر” ، وبريطانيا سبقت بدبابات “تشالنجر” ، وفرنسا لحقت بدباباتها المدرعة القتالية الخفيفة “AMX-10RC” ، وأمريكا فتحت المزاد بصفقة عاجلة ، وصلت قيمتها إلى نحو ثلاثة مليارات دولار ، تضمنت 50 مدرعة من طراز “برادلى” ، مع تجهيزات أخرى سبقت وتلحق ، أشهرها منظومة “هيمارس” ، وقد يجدى ذلك كله قليلا ، ويطيل أمد الحرب ، لكن روسيا على ما يبدو ، استعدت جيدا هذه المرة للنزال الأخير ، وتركت روح الاستهانة ، التى ميزت عملها العسكرى لشهور طويلة ، وأعادت تنظيم قواتها العاملة فى أوكرانيا ، وزادت عديدها بالتعبئة العسكرية الجزئية ، التى تضيف نحو 350 ألف جندى ، شارف إعدادهم وتدريبهم على الاكتمال ، وقد تلجأ إلى تعبئة إضافية ، بعد أن قررت مضاعفة إنفاقها الحربى ، ودفع مصانع السلاح للعمل بكامل طاقتها ، وزجت إلى ميادينها فى أوكرانيا بأسلحة أكثر حداثة ، من نوع الطائرة الروسية الشبحية “سو ـ 57” ، التى شوهدت على مقربة من مسارح العمليات ، فوق حل مشاكل الروس السابقة فى الإمداد اللوجيستى ، وبتدرج يبدو مدروسا أكثر هذه المرة ، وبقيادة أكفأ ، بانت كراماتها ، بعد تراجعات فى “خاركيف” و”كراسنى ليمان” ، أغرت الغرب بإمكانية هزيمة الروس ، ولجأت القيادة الجديدة إلى انسحاب منظم من منطقة فى “خيرسون” غرب نهر “الدنيبرو” ، بدا متوافقا مع خرائط “بوتين” السياسية بعد قراره بضم المقاطعات الأربع شرق وجنوب أوكرانيا ، وعلى جبهة سلاح طويلة فوق الألف كيلومتر، مع التركيز على هدف استكمال السيطرة فى مقاطعة “دونيتسك” بالذات ، والتقدم المحسوب باتجاه مدن “باخموت” و”كراماتورسك” و”سلافيانسك” ، برغم ظروف الشتاء الأكثر قسوة فى هذه المناطق ، والحرص على خفض الخسائر البشرية للروس إلى أدنى حد ، واستخدام المدرعات والدبابات الروسية الأخف حركة ، والاعتماد بالأساس على جماعة “فاجنر” والمقاتلين الشيشان والمحليين والمظليين الروس ، واللجوء إلى تطويق “باخموت” عاصمة المناجم من الشرق والجنوب ، وصولا لمفاجأة السيطرة على “سوليدار” ، وتكمن أهميتها العسكرية فى تلالها المرتفعة ، التى تمنح مجموعات القتال الروسى الصغيرة ميزة حاسمة فى السيادة النيرانية ، ربما تمهيدا لخنق خمسين خط دفاع أوكرانى فى “باخموت” الخالية من السكان ، وتكرار تكتيك “اصطياد الفئران” على طريقة ما جرى بمعركة “آزوف ستال” فى “ماريوبول” ، مع تكثيف القصف الجوى والصاروخى وبالطائرات المسيرة على كل مدن أوكرانيا ، وتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية ، خصوصا فى مدن “دونيتسك” المتبقية تحت السيطرة الأوكرانية ، وتحصين خطوط الدفاع من اختراقات واردة ، وقد فاجأت القوات الروسية أغلب المراقبين العسكريين ، وداومت على القتال المتمهل فى فصل الشتاء المعيق فى العادة لحركة المدرعات والدبابات والجنود ، وتواصل إعداد المسرح الحربى لهجوم كاسح على ما يبدو مع أوائل فصل الربيع ، تحتاج إليه لحسم الموقف العسكرى كله ، وقد تتجه به إلى العاصمة “كييف” فى الشمال ، وربما إلى “أوديسا” فى الجنوب ، بعد أن أعلنت شروطا حاسمة لوقف الحرب بالتفاوض ، تعرف أن الغرب لن يسلم بها بسهولة ، من نوع نزع سلاح نظام “كييف” وقبوله لضم المقاطعات الأربع (دونبتسك ولوجانسك وزاباروجيا وخيرسون) إلى روسيا ، كما شبه جزيرة “القرم” ، التى استعادتها روسيا أواسط 2014 ، وقد نصح “هنرى كيسنجر” أمريكا قبل أسابيع ، ودعا لتقبل المطالب الروسية فى جملتها ، وإن اقترح إجراء استفتاء آخر فى المقاطعات الأربع برقابة الأمم المتحدة ، مع التسليم طبعا بأحقية روسيا فى شبه جزيرة القرم ، لكن الإدارة الأمريكية تتردد فى قبول نصائح “كيسنجر” ، وتستمر فى مطاردة وهم هزيمة روسيا ، وتعتبر التجاوب مع المطالب الروسية هزيمة للغرب ، ونهاية لسلطانها الأوحد فى النظام الدولى ، وإغواء للصين بضم “تايوان” بأسلوب الجبر العسكرى .
ويتحدث “الكرملين” كثيرا عن الحوار والمفاوضات ، وكنوع من المناورة والعمل السياسى ، وربما كسب وقت إضافى للإعداد والحسم العسكرى ، ودفع الغرب ودميته الأوكرانية “فولوديمير زيلينسكى” للاستسلام ، خصوصا مع الإرهاق الأوروبى الظاهر فى الاقتصاد ، مع استفراغ مخازن السلاح لتقديمها إلى أوكرانيا ، ولجوء الاتحاد الأوروبى إلى اتفاق شراكة جديد مع حلف شمال الأطلنطى ، بهدف توفير الحماية البديلة من أخطار محتملة ، وبالذات مع تزايد التلويح الروسى بحرب دمار نووى ، وتحول صادرات موسكو إلى أسواق طاقة بديلة للسوق الأوروبى ، وتوثيق التحالف الاقتصادى والعسكرى مع الصين الزاحفة بإطراد إلى عرش العالم ، واللقاء المنتظر بين الرئيس الروسى والرئيس الصينى “شى جين بينج” ، والذى قد يطور العلاقة “بلا حدود” بين موسكو وبكين إلى “تحالف بلا حدود” ، تدفع إليه “شراسة بلا حدود” ، يبديها الغرب باتجاه البلدين معا ، تعجل بالانتقال رسميا من عالم “القطب الوحيد” إلى العالم المتعدد المتواجه الأقطاب ، فيما تبدو حرب أوكرانيا كجسر عبور إجبارى ، لا خيار لروسيا سوى أن تجتازه ، وتحقق نصرا فيه ، يبدو كقضية حياة أو موت للرئيس الروسى ، الذى يغريه ماجرى حتى اليوم ، فلم تنجح خطة واشنطن فى تحويل أوكرانيا إلى مقبرة استنزاف لروسيا ، وكادت تتحول الحرب إلى استنزاف معاكس للغرب ولهيبة أمريكا ، التى لن يقتنع حلفاؤها بجدوى التعويل عليها حال انتصار روسيا ، فيما لا تبدو واشنطن مؤهلة لكسب حرب سعت إليها ، ولا تبدو الإدارة الأمريكية فى أحوال مريحة ، فقد استنفدت كل مراحل الدعم الممكن بالمال والسلاح ، ولم يبق سوى أن تعلن دخولها الحرب رسميا وبجيوشها ، والقفزعلى نظرية الحرب بسلاحها ، وبأرواح الآخرين حتى آخر أوكرانى ، ولا تملك الإدارة الأمريكية أن تخاطر بفتح أبواب الجحيم النووى مع موسكو ، التى تواصل تعبئة دروعها النووية الأقوى بامتياز ، والمحصلة أنه ما من بديل آخر متاح عند واشنطن ، سوى أن تواصل ما تفعله ، وبحماس واندفاع قابل للعرقلة ، مع انتخاب الجمهورى “كيفن مكارثى” لرئاسة مجلس النواب ، ومع الانتعاش النسبى لحركة “دونالد ترامب” غريم الرئيس العجوز “جو بايدن” ، الذى صدم أخيرا باكتشاف وثائق رسمية حساسة فى مكتب مؤقت فى جامعة “بنسلفانيا” ، اختاره بعد نهاية ولايتيه كنائب للرئيس الأسبق “باراك أوباما” ، وهو ما نظر إليه كفضيحة للرئيس ، الذى يحرص على الظهور فى صورة رجل الدولة المنضبط مقابل تسيب وعشوائية سلفه “ترامب” ، الذى ضبطت وثائق سرية مماثلة فى قصره الخاص بولاية “فلوريدا” ، ومقابل تنكيل مجلس النواب السابق بزعامة الديمقراطيين ومحاكماتهم الصاخبة لسلوك “ترامب” ، فقد انفتح الباب هذه المرة لمجلس النواب الجديد بزعامة الجمهوريين ، الذين يتربصون للأخذ بالثأر ، وإقامة محاكمات تستهدف “بايدن” والفساد المنسوب لنجله “هانتر” فى صفقات مريبة بأوكرانيا والصين ، وتمزيق الصورة السياسية لبايدن ، الذى يحلم بإعادة ترشيح نفسه فى انتخابات رئاسة 2024 ، كان “ترامب” أعلن رسميا عن ترشحه فيها ، إضافة لإعاقة تصرفات “بايدن” المالية فيما تبقى من مدة رئاسته الحالية ، وتقييد دعمه بالمال والسلاح فى حرب أوكرانيا ، خصوصا أن رئيس مجلس النواب الجديد ، سبق أن أعلن عن نيته وقف منح “شيكات على بياض” للرئيس الأوكرانى ، وهو ما قد يؤجج الصدام فى أروقة واشنطن ، ويحول الرئيس إلى “بطة عرجاء” مشغولة بإعاقاتها عن أوكرانيا وغيرها .
Kandel2002@hotmail.com

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

Demo Title

Demo Description


Introducing your First Popup.
Customize text and design to perfectly suit your needs and preferences.

This will close in 20 seconds

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock