
جريدة بكره احلى الإخبارية رئيس التحرير وجدى وزيرى
في الأيام القليلة الماضية
و تحديداً يوم السبت الموافق 17/12/2022 شهد حدثا سيهز الجنيه المصري في الاقتصاد الوطني ، فقد أصدر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قراره بالموافقة علي منح مصر لقرض قيمته الإجمالية 3 مليار دولار علي أن يتم سداده في خلال مدة 46 شهر ، و قد تسلمت مصر أول شريحة فورية لهذا القرض بقيمة 350 مليون دولار كدفعة أولي .
و هذا القرض المقدم من صندوق النقد الدولي هو حصاد لسلسلة من مفاوضات ماراثونية بدأت في شهر نوفمبر 2021 بين الحكومة المصرية و بعثة صندوق النقد الدولي ، و قد شهدت هذه المفاوضات محاولات شد و جذب و مناقشات و مناورات و محاورات لإقناع كل طرف و إقتناعه دون أن يدخل أحد طرفي التفاوض لفرض شروط أو طلبات أو أن صح التعبير تنازلات أو تضحيات أو إملاءات ضاغطة تنتهي بتسليم أحد الطرفين ( الجانب الراغب في التفاوض و ليس الطرف المانح) بما يطلبه الطرف الآخر و قد تنتهي هذه المفاوضات الي وضع برنامج إقتصادي آمن يتم اتفاق عليه الطرفين مقيد بجداول زمنية و طول مدة منح القرض الذي سيمتد لمدة طويلة 46 شهرا سيعين فيها الصندوق نفسه مراقباً لمدي تنفيذ الطرف المتفاوض ( مصر ) سياسة تنفيذ هذا البرنامج الذي يراه من وجهة نظره القادر علي طموحاته في قدرة الاقتصاد المصري علي تنفيذ هذه السياسة الإصلاحية و قبوله حزمة ( لا نقول شروط أو قيود أو التزامات) و إنما بعض من المتطلبات أو التفاهمات أو السياسات التي تلبي للصندوق رغبته في تحقيق مصالحه في رد قيمة هذا القرض بل و يعود عليه باستثمارات علي المدي القصير أو المتوسط أو الطويل.
و الجدير بالذكر تأتي أهمية هذا القرض ليس في قيمته فهي ضئيلة جداً و لكنها ستعطي مصر شهادة تكفل حصولها علي قروض أخري من الاصدقاء الإقليمين ( العرب _ الدول الخليجية) بمقدار 14 مليار دولار إضافية و هي تعد فرصة لاستثمار هذه القروض تقوية اقتصادها و تحقيق التنمية المستدامة علي تكون هذه القروض طويلة الأجل لتتمكن مصر مستقبلا من إلتقاط نفسها لتستطيع الوفاء بالتزاماتها لسداد القروض قصيرة الأجل التي سبقت للحصول عليها .
و سٱتناول هذا الحدث الهام من زاويتين:
الزاوية الأولي :
أساليب الدول في التعامل مع صندوق النقد الدولي.
كيف تتعامل الدول مع صندوق النقد الدولي.
هناك خمسة نماذج للدول في التعامل مع صندوق النقد الدولي.
النموذج الأول هو دول ترفض التعامل مع صندوق النقد الدولي فهي لا تعترف بالصندوق و لا تريد الدخول معه في مفاوضات أو تقديم ما يسمي بتنازلات أو اتفاقات أو حتي إبرام اتفاقيات و لا تعرض نفسها للرضوخ أو لقبولها لأي شروط أو إملاءات أو الضغوط عليها للحصول علي اي قروض من صندوق النقد الدولي أو أي من المؤسسات المالية و النقدية الدولية ، وهذا النموذج المثالي في التعاملات نفذته دولة ماليزيا فقد استطاع مهاتير محمد بعدم الدخول في أي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي و استطاع بنجاح كبير في عدم الموافقة علي السماح بصندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات المالية الدولية بالتدخل في صميم الشئون الداخلية للدولة و استطاع مهاتير محمد بعدم الدخول في أي مفاوضات مع الصندوق لمنحه أي قروض، و قد قاد برنامح إقتصادي شامل أغلق فيه الدولة علي نفسها و اعتمد علي الإنتاج و الاستثمارات الوطنية إلي أن حقق أهدافه في تحقيق نهضة اقتصادية جعلته في الترتيب مستويات متقدمة في الدول الصناعية الكبرى ،فالدخل القومي ارتفع و الصادرات حصل لها طفرة و بالتالي ذاد حجم الناتج القومي و ارتفعت القيمة النقدية للعملة الوطنية لبلاده .
و النموذج الثاني للدول التي تتعامل مع صندوق النقد الدولي هي تلك الدول التي تحصلت علي قروض من صندوق النقد الدولي و هذه الدول نجحت في توجيه تلك القروض مباشرة في الصناعة و تطويرها لتشغيل الأيدي العاملة و بالتالي خلق فرص عمل و ترتب عليه زيادة حجم الناتج المحلي للدول و بالتالي أدي ذلك زيادة التصدير لمعدلات قياسية مما حقق نجاح تلك الدول في ذيادة النقد الأجنبي لها و هم ما مكنها في رد ما اقترضته من صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية الدولية الأخري بل و الاكثر من ذلك استطاعت أيضا في منح قروض لدعم اقتصاد دول أخري ، و هذا النموذج يتمثل في دولة كوريا الجنوبية .
و النموذج الثالث :
دول استطاعت الحصول علي قروض من صندوق النقد الدولي و هي بالكاد تستطيع أن تعيش بقدر محدود من هذه القروض، فلا هي أهدرت تلك القروض في استثمارات لا تدر لها دخلا و لا هي استطاعت النهوض من كبوتها كأثر من أزماتها الإقتصادية ، و تكاد تلك الدول أن توفي بمتطلبات الحياة الاقتصادية لذلك فإن القروض بالنسبة لها مجرد مسكنات أو مجرد حلول مؤقتة .
النموذج الرابع:
و هي نموذج من الدول انهارت اقتصاديا و زادت فيها البطالة و الفقر و مستوي دخل الفرد محدود للغاية و لكنها لم تعلن إفلاسها ، بل بدأت بالحصول علي قروض من صندوق النقد الدولي فأرتفعت نسبة البطالة و أدي إلي عدم نمو دخلها الوطني ، ووضعها الاقتصادي أصبح في وضع حرج جداً و متدهور و بلغ عدد تلك الدول الي حوالي 32 دولة .
و النموذج الخامس :
دول أنهارت إقتصاديا و مستوي دخل الفرد متدني جداً و لا تملك مصادر دخل أو إستثمارات تدر دخل قومي كبير و يعاني اقتصادها من ركود اقتصادي و بطالة و أعلنت رسمياً إفلاسها و مثال تلك الدول هي مالاوي في أفريقيا و الارجنتين في أمريكا اللاتينية ، فلم تستطيع الوفاء بالتزاماتها بسداد قروض صندوق النقد الدولي و لا بأعباء الدين من فوائد و بالتالى لم تمتثل بالشروط و الالتزامات التي فرضتها عليها المؤسسات الدولية المالية .
أما الزاوية الثانية في تناولي لهذا الحدث ،
هو الي أين نحن ذاهبون ؟ و ما هو السبيل؟ و هل من خارطة طريق مثلي للنجاه ؟
و الشاهد و المحللين الاقتصاديين في حالة من ترقب و نستخلص من التحليل و الاتجاهات الواردة ما يلي:
أولاً:
أن منح صندوق النقد الدولي لمصر لهذا القرض الذي يصل قيمته الإجمالية إلي 3 مليارات دولار هو بمثابة صك دولي و شهادة ضمان تثبت فيه الدولة ثقة المؤسسات المالية والاقتصادية في قدرتها علي الاستعانة بمؤسسات مالية كصندوق النقد الدولي في تمويل الاقتصاد القومي و تمكنه من مواجهة التحديات التي تتصدي لها مصر في ظل الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم، كما سيمنح هذا القرض السماح لمؤسسات مالية اخري لتقديم قروض أخري لدعمها بعد التأكد من قدرة مصر علي الوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق ،
و ما يؤكد هذا الاتجاة هو عجز دولة كالسودان في اللجوء إلي صندوق النقد الدولي الذي رفض نهائيا فكرة الدخول في مفاوضات لمنح السودان قروض لها .
ثانياً:
إن سياسة صندوق النقد الدولي بمنح مصر هذا القرض إجمالا و قدره 3 مليار دولار ينتهج أسلوبا مختلفاً تماماً عن سياساته السابقة متمثل في المدي الزمني لسداد هذا القرض علي دفعات لمدة طويلة تصل الي 46 شهراً ، و ليس كما هو متبع لمنح قروض لتسدد علي دفعة واحدة .
ثالثاً:
أن صندوق النقد الدولي وضع آليات أو سياسات تم الإتفاق عليها بينه و بين الحكومة المصرية تلتزم فيها طوال فترة سريان بحيث يكون فيها الصندوق دور المراقب للتأكد من مدي التزام الحكومة المصرية بهذه السياسات النقدية المحددة و هو توحيد سعر الصرف للدولار مع الجنيه المصري ذلك بعدم الازدواجية في تحديد سعر الصرف ما بين سعر الصرف الرسمي في البنوك الرسمية و سعر الصرف في السوق الموازية و هذا التوحيد لسعر صرف الدولار سيكون سعر مرن بحيث يتوقف في تحديد سعره في السوق المحلي علي متطلبات السوق ارتفاعاً و انخفاضاً طبقا لقانون العرض و الطلب دون أي تدخل من جانب البنك المركزي المصري.
أيها السادة المحترمون…
نحن نمر بأيام فارقة في الإقتصاد الوطني و ستتجه أنظار المواطنين في مصر يوم الخميس القادم 22/12/2022 لتري خطة و إجراءات البنك المركزي المصري عند إنعقاد مجلسه التنفيذي في شأن توحيد سعر صرف الدولار كسعر موحد في السوق المصرفي تعبيرا عن قيمته الحقيقية بالنسبة للجنيه المصري بهدف القضاء نهائياً علي السوق الموازية له و الاعتماد علي سعر الصرف الذي يعتمد علي متطلبات قانون السوق ارتفاعاً و انخفاضاً طبقا لقانون العرض و الطلب و دون أي تدخل مباشر من البنك المركزي لاظهار القيمة الحقيقية للدولار بالنسبة للجنيه المصري .
و أيضا من حيث مدي تحديد سعر الفائدة البنكية و إن كنت اتوقع انها مرشحة نحو الإرتفاع بنسبة ضئيلة ،و ذلك لامتصاص الآثار التضخمية في الإقتصاد الوطني.