مقالات الكُتاب

لم أعد أهتم

لم أعد أهتم

بقلم:د. نهلة أحمد درويش

د نهله
د. نهلة أحمد درويش

كتبت ميري استريب في أحد المجلات الأجنبية مقالاً تحت عنوان “لم أعد أهتم”.. تحكي فيه عن الحالة التي تحولت إليها من نفاذ الصبر لعدم تحمل أشياء وأفعال معينة تصدر من البشر.. وتقول أن هذا التحول جاء، ليس بسبب أي نوع من الغرور أو التكبر، ولكن لأنها وصلت لمرحلة معينة من حياتها لا ترغب فيها لإضاعة مزيد من الوقت في أشياء تجرحها وتسبب لها التعاسة والضيق. فلقد ضاق صبرها على تحمل أي نوع من السخرية أو النقد اللازع أو أي شكل من التوجيهات والوصايا.. كما أنها فقدت الرغبة في محاولة إرضاء من لا يرضى عنها، أو محاولة كسب ود وحب من لا يحبها، حتى أنها لم تعد تهتم بالابتسام لمن لا يرغب في الابتسام في وجهها.. وتضيف أنها أصبحت لم تعد ترغب في إضاعة أي لحظة من حياتها لتقضيها مع أشخاص يهون الغش والكذب والتلاعب وقلب الحقائق.. ولذا فهي قررت عدم الاجتماع مطلقاً بإي من الشخصيات العاشقة للتظاهر والنفاق وإطلاق مقولات المديح الرخيص.. وتقول ميري استريب أنها أصبحت لا تطيق المتابهين بثقافة إنتقائية عالية أو الذين يمارسون نوعاً من الغطرسة الأكاديمية.. كما أصبحت لا تحب جلسات النميمة والقيل والقال، وتكره أساليب الصراع والمقارنات بين الشخصيات.. ولأنها على يقين تام بأن العالم مليئ بالشخصيات المختلفة والمتباينة، لذلك فهي تفضل الابتعاد عن الشخصيات ذات الميول الجامدة غير المرنة.. وحتى في نطاق علاقات الصداقة، فهي تكرة صفة عدم الولاء والخيانة.. كما أنها لا تطيق تلك النوعية من الأشخاص التي تبخل في إلقاء أي مجاملة لطيفة أو قول كلمة تشجيع.. فلقد ملت العبارات والأفعال المبالغة، وتجد صعوبة في تقبل من يكرهون الحيوانات.. وتقول، أنه أهم من كل ما سبق، انها لم تعد لديها صبر أو اهتمام بأي شخص لا يستحق اهتمامها.. *** هذا ما قالته ميري استريب في مقالها الذي قمت بترجمته.. والحقيقة أنني أرى حالة فقد الصبر وقلة الاهتمام هذه أصبحت حالتة منتشرة تصيب الكثيرين، وخاصة عند بلوغ سن معين عند البعض.. ربما ليس بنفس الدرجة التي وصفتها ميري استريب بمرجعيتها الثقافة الخاصة وشهرتها المميزة.. ولعل حالة فقد الصبر والاهتمام تتشابه بعض الشيء عن حالة التنفيض أو التغافل التى نختار فيها عدم منح درجة معينة من الاهتمام بشيء أو بموقف معين يسبب لنا الأذى والألم، ونرى أنه من الأفضل إسقاطه لمستوى ما من التغافل أو التنفيض حتى نستطيع التوافق مع والتعايش مع تجربة واقعية ما.. ولكن حالة قلة الصبر والاهتمام، أو إنعدامها في بعض الحالات، أصبحت حالة منتشرة بين العلاقات الاجتماعية، حتى الوثيقة منها.. قيمة التسامح وتحمل الآخر والتعايش مع الأفكار المختلفة والمتعارضة أحياناً، أصبحت نادرة الوجود.. وهو ما يجعل واقعنا المعاش أكثر قسوة وجفاء.. وربما يرجع سبب انتشار هذه الحالة إلى دوامة الحياة وضغوطها المادية، ولعلنا أصبحنا ندرك تماماً إن كل شخص يسعى لمصلحته الخاصة ولا يراعي الآخر إلا في حالة وجود منفعة معينة تأتي من خلال هذا الآخر.. بل وربما أنه قد تطور لدينا درجة من المعرفة بطبيعة العلاقات النفعية السائدة التي نراها في الحياة ونشاهدها في وسائل الإعلام المختلفة أحياناً كثيرة.. ومن لا يفقه هذه المعرفة بطبيعة العلاقات النفعية السائدة قد يصنف ضمن طائلة أغبياء المجتمع الذين لا يعرفون كيفية سير الأمور والأحوال.. حالة قلة الصبر والاهتمام، أرى أنها أصبحت أشكالية اجتماعية تضرب كثير من المجالات على المستوى الأسري والمعاملات الحياتية وفي مجال العمل وخاصة الذي نمى فيه نمط العلاقات النفعية والمصلحة الشخصية.. وهو ما يدل على أن كثير من قيمنا قد أصيبت بالقدم والخشونة، كثير من قيمنا فقدت رونقها الذي كانت تتزين به في الأزمنة الماضية؛ مثل قيمة الحب والتعاطف وتفهم واحتواء الآخر.. مختصر القول أننا نتحول إلى حالة معينة بعد التعرض إلى عدد من التجارب التي تعلمنا دروساً في كيفية التعامل مع الآخرين خلال أيامنا المقبلة.. د. نهلة أحمد درويش دكتوراة في الآداب – علم الاجتماع

بكره أحلى

رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير : وجدى وزيرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى